في سنوات قائظة من عمري قرأت بعض عناوين الروايات التي تظل معنا
ولا نملك لها فكاكا تؤثر في ذوقنا سنوات طوال كالتعويذة التي تعلق على
صدور الأطفال أو الحجاب الذي يوضع تحت مخدة اللاوعي فينا,ليحجب عنا حسد الأحلام,
في البدء كانت الحكاية التي تطفو على بحيرة الوجع, طفلاَ يتعشق طهر العابدين في مساجد المدينة ,
هو عاشق للمسافات الطويلة , يرجو مغفرة البقاء في مكان واحد ولو لأسبوع , عقلة الأبيض والمليء
بألوان قزحية كفقاعات الصابون التي ينفخها الأطفال للعب تكون مدورة وقزحية,تنتفخ ثم ترتفع فتنفجر فيضحك
الأطفال الطيبين السعداء, لم يكن عقله تشوه حتى الآن ولم يتشرب هم الحياة , وعشق الأطفال لمنابع الخير
هي خصلة أصيلة في نفوسهم , ومازال يلعب بطائرات ورقية وبألعابه الالكترونية , تلك الألعاب الالكترونية
جعلته رجلا بطلا بانتصاراته الوهمية على خصومة , طفولته أكلتها تكنولوجيا اخترقت عقلة, حيث يمضي
الساعات الطوال باللعب حتى يخاتله النوم فيتكئ على جنبه الأيسر مستسلما كملاك يقطر براءة , في سنين
طفولته الأول اغرم بطفلة التهمت قلبه وكان يكتب على طاولته في المدرسة عبارات وفاء مقسما لها انه
سيقتله الوفاء دونها , وغرامة وتقليده لشخصيات الكرتون تدفعه لان يكون رجلا قبل أوانه, وكانت جل
أمنياته الركض خلف أحلامه البعيدة كالنجوم يركض ويركض ولا شيء يتحصل عليه. وتلك هي الطفولة
مثل اللوح المحفوظ بالنقاء , لا شيء يضاهي الطفولة إلا الطفولة ذاتها , هي مرحلة دهشة تخط جبين البراءة ,
وكل طفل يحمل قلبا ابيض من الثلج , وعينان لا ترى إلا ماهو جميل وممتع , هي سذاجة من طراز أنيق ,
الأطفال يعشقون كل الوجوه جملة وتفصيلا ودموعهم تنهمر غربة في كل لحظة لا يتحصلون فيها على مرادهم ,
وآما في لحظات اقتراف الحماقات يلوذون بفرح غامر, وتناقضات جوهرية , فعقولهم خالية من كولسترول
الفزاعات الفكرية التي ينادي بها الكبار, الطفولة كالمدن الساحلية رطبة , جلية, ودافئة, وتنبض جمال ,
هي ليست عظيمة بشكل يدهش الكبار , ولا فاتنة للحد الذي يدفعهم لتمني أيام الطفولة بكل مافيها , ومع
كل رغبة طفولية هناك دموع كأملاح البحر , ذات صباح امتد به البكاء حد الإعياء وكأنه يواجه أهوال القيامة ,
وبعدها انفرجت اساريرة كسماء كانت مدلهمة بالغيم الأسود والأتربة ثم انفرجت عن سماء زرقاء صافية كأنها
لم يشوبها شائبة.التهم أظافره بشراهة وكأنه يريد اقتلاعها من أصابعه للتقليل من القلق المفرط تجاه الحياة الجديدة
التي بدأت معالمها تنجلي داخل روحه وواقعه, وربما كانت طفولته تعيسة بفعل والدة الأكثر قسوة وأمه الضعيفة
المغلوبة على أمرها,فنشأ في خواء كئيب ,ورأس مليء بالسخط وقلب اسود كغدافات الليل ,لدية جوع عظيم للسخرية في البشر ,
وتدميرهم كلما اقترب منه احد , وهولا يعلم لماذا هو رجل حقود وبائس, فالحياة لدية محموعة من الخذلان المتتابع ,
فهو يستغرب ممن يرهق نفسة بكثرة العلاقات الانسانسة, والتعامل مع البشر ..كل ماهو عليه الآن هو انعكاس لتلك الطفولة
التي أجهضها الحرمان والقسوة ,,لا تستغربوا من رجل اصبح بنصف قلب .
Leave a comment